الخميس، 7 أبريل 2011

دور الدولة في عملية التنمية الاقتصادية

دور الدولة في عملية التنمية الاقتصادية

دور الدولة في عملية التنمية الاقتصاديةد. محمد فتحي شقورة
باحث تنموي
رغم أن اقتصاد السوق والحرية الاقتصادية أصبحتا أهم ما يميز الاقتصاديات العالمية الآن. إلا أن دور الدولة في مختلف دول العالم في الوقت الحالي أصبح مختلفاً تماماً عن الصورة التي سادت في بدايات الرأسمالية وحتى أزمة الكساد العظيم في الثلاثينات من القرن العشرين، حيث أن الدولة لم تعد حارسة للأفراد والقطاع الخاص وسن القوانين والتشريعات، بل أصبح لها تواجد كبير في النشاط الاقتصادي، حيث تبلغ نسبة الإنفاق العام إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى أكثر من 40 في المائة في بعض الدول.
أما في الدول النامية فلا تزال مسؤولية التنمية تقع على عاتق الحكومة ليس فقط من خلال توفير السلع العامة الأساسية، والمرافق العامة وتقديم الخدمات الاجتماعية كالتعليم والصحة والضمان الاجتماعي، وإنما من خلال دورها في تحفيز الأفراد والقطاع الخاص وضبط سلوكه، ووضع الأطر القانونية والتشريعية التي تنظم الأعمال.
تستطيع الدولة بسلطاتها الثلاث، بحكم الصلاحيات الإدارية والتشريعية والقضائية المخولة لها، والقدرة الاقتصادية الكبيرة المتاحة لها من خلال الموازنة العامة وغيرها التأثير على سلوك وحدات المجتمع من الشركات أو الأفراد أو المؤسسات، من خلال سياساتها المختلفة، ومن تلك السياسات الاقتصادية: السياسة التجارية، السياسة المالية، السياسة الزراعية، السياسة السياحية، وغيرها، ولابد من استخدام الأدوات بصورة منسقة لضمان تحقيق الأهداف التنموية، لأن عدم التناسق في استخدام تلك الأدوات، سيقود إلى التضارب والتناقض في اتجاهات تأثيرها، ومن أجل ضمان الاستخدام المنسق للسياسات تقوم الدول بوضع إستراتيجيات تنموية محددة لضمان الوصول للأهداف المرجوة.
من المهم جداً ألا تكتفي الدولة بتحقيق التنسيق بين مؤسساتها وسياساتها المختلفة، بل يفترض منها أن تقوم بإشراك جميع الشركاء ذوي العلاقة من المجتمع المدني والقطاع الخاص في عملية صياغة السياسات، وفي عملية تنسيقها أو في وضع الخطط والبرامج والآليات لتنفيذها. وهنا يتجلى قدرة الدولة وكفاءتها في تعبئة وتوحيد موارد وعناصر التنمية لتحقيق الأولويات المقبولة بين جميع شركاء التنمية في مختلف القطاعات في الاتجاه الذي يقود الاقتصاد نحو تحقيق الرؤية التنموية المتفق عليها.
إذا ما جرى الوصول إلى رؤية تحظى بقبول شركاء التنمية الفلسطينية الثلاث: الحكومة، القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني، وإذا كانت تلك الرؤية تتصف بالواقعية من حيث إمكانية بلوغها، فإنها لن تتحقق من تلقاء ذاتها، بل أن تحقيقها يحتاج إلى فعل واعٍ. ومن المعروف أن الفعل المطلوب للتأثير على سلوك المتغيرات في البنية الاقتصادية للوصول إلى الحالة المستهدفة يجب أن يتم في إطار مؤسسي وقانوني، ويستحسن أن يتحقق باستخدام الوسائل الاقتصادية، إذ أن المطلوب من الدولة أو السلطة الشرعية لعب دور الجهة المنظمة والمحددة والموجهة للفعاليات والمصادر الاقتصادية على هذه الرؤية التنموية.
واستناداً إلى ما سبق يمكن إجمال أهم المسؤوليات التي يجب على أي حكومة فلسطينية القيام فيها، حتى يمكنها لعب دور نشط وبكفاءة عالية على النحو الآتي:
أ- توجيه النشاط الاقتصادي بشكل يعمل على تعزيز الصمود الفلسطيني، من خلال تعزيز القدرة الذاتية ورفع تكاليف استمرار الاحتلال وتقليص كلفة مقاومته.
ب- توجيه النشاط الاقتصادي نحو نمط استهلاكي تقشفي، والامتناع عن استيراد الكماليات، وتحفيز الادخار والاستثمار في الاقتصاد المحلي وبخاصة الإنتاج المحلي، بما يعزز القدرة الإنتاجية والاستيعابية التشغيلية الفلسطينية.
ج- توجيه النشاط الاقتصادي نحو إنتاج كميات كافية من السلع الغذائية الضرورية، ضمن إطار قانوني يمنع الاحتكار ويكافح الغلاء، ويكفل المنافسة العادلة وتكافؤ الفرص، ويعمل على التوزيع العادل للأعباء، وبخاصة للسلع الضرورية والمواصلات، لمنع ارتفاع تكاليف المعيشة الأساسية، ويوفر سبل العيش للقطاعات الاجتماعية الأقل حظاً.
د- توفير الأمن الشامل الذي يحمي حق الحياة ويبعد عنها الخوف ويوفر الأمن والحماية للممتلكات. إذ أن استقطاب الاستثمارات المحلية والأجنبية لا يمكن أن يتم في بيئة يسودها الانفلات الأمني. وأيضاً ضمان الاحترام لحقوق الإنسان والحريات العامة.
ه- العمل على وجود نظام تعليم قوي يساعد في بناء القدرات المهنية الفنية والإبداعية لدى القوى العاملة الفلسطينية، ويجب أن يأخذ نظام التعليم هذا احتياجات القطاع الخاص من التعليم المهني والتدريب. كما أن الاهتمام بتطوير الخدمات الصحية والطب الوقائي في غاية الأهمية لرفع إنتاجية العمال الفلسطينيين، وزيادة أيام العمل.
و- تعزيز اندماج القدس الشرقية مع باقي الأراضي الفلسطينية في عملية التنمية، لما تشكله من أهمية كبيرة في مختلف قطاعات الاقتصاد الفلسطيني، حيث تشكل الثروة السياحية فيها مصدراً رئيسياً للاقتصاد الفلسطيني بعد كنس الاحتلال منها. كما تشكل عقدة المواصلات الموحدة للضفة الغربية، هذا بالإضافة إلى كونها مركزاً للخدمات التعليمية والصحية وللمؤسسات الأهلية.
ز- وجود نظام نقل واتصالات يضمن تدفق السلع والخدمات والمعلومات وبأقل التكاليف بين الأسواق الفلسطينية بعضها بعضاً، والأسواق الفلسطينية والأسواق الخارجية. ويحتاج ذلك إلى إعادة بناء الموانئ الجوية والبحرية التي قام الاحتلال بتدميرها.
ح- العمل على زيادة قدرات البنوك المحلية على الإسهام الفاعل في تمويل الاستثمارات المحلية، وتطوير الخدمات المالية لتصبح أكثر تلبية لاحتياجات القطاع الخاص، بما في ذلك توفير قروض استثمارية متوسطة وطويلة الأجل.
ط- إيجاد آليات لتطوير استفادة القطاع الخاص من الاتفاقيات التجارية التي وقعتها السلطة الوطنية مع كثير من الدول العربية والإسلامية (الأردن، مصر، المغرب، وتونس، والإمارات، وتركيا)، واتفاقيات التفضيل التجاري مع الإتحاد الأوروبي. إذ لا تزال استفادة القطاع الخاص الفلسطيني من هذه الاتفاقيات دون المستوى المطلوب بكثير.
ي- استقطاب استثمارات الفلسطينيين في الخارج. حيث تبلغ تحويلات الفلسطينيين في الخارج إلى أقاربهم في فلسطين حوالي مليار دولار سنوياً ، وهذا مؤشر قوى على قدرة فلسطيني الخارج في مسيرة التنمية الفلسطينية، من خلال توفير رأس المال لعملية التنمية.

هبوط الدولار لأدنى مستوياته أمام الشيكل

غزة - دنيا الوطن
هبط سعر صرف الدولار الأمريكى فى سوق الصرف الإسرائيلى لأدنى مستوى له مقابل الشيكل بنسبة 0.4 %، وبيع الدولار فى سوق الأوراق النقدية صباح اليوم، الخميس، بـ 3.49 شيكل.

وذكرت صحيفة معاريف، الإسرائيلية أن هذه هى المرة الأولى التى يصل فيها سعر صرف الدولار إلى هذا المستوى منذ أكثر من عامين ونصف، بينما بقى سعر صرف اليورو مقابل الشيكل كما هو وبيع بـ4.95.

وأوضح مدير قسم التسويق فى البنك المركزى الإسرائيلى، بارى طاف، أن تضارب الأسعار أدى إلى إحجام المستثمرين عن الاستثمار فى العملات الأجنبية الأمر الذى انعكس سلبا على أسعار صرف العملات.

وأشارت معاريف إلى أن رفع نسبة الفائدة فى الفترة الأخيرة بدد المخاوف من توقف بنك إسرائيل المركزى فى التدخل بسوق العملات الأجنبية، مؤكدة أن كل الأحاديث عن رفع أيدى البنك المركزى عن سوق العملات الأجنبية غير صحيحة ومن المتوقع أن يعود البنك للتدخل مرة أخرى.

اخبار مدرسة شهداء الذيتون متابعة الانشطة

فازت المدرسة  بعده  مباريات  وحققت بطولات  متنوعة في اكثر  من مجال   وذلك برعاية الاستاذ  وليد العطاونة

الأربعاء، 6 أبريل 2011

أفكار للموظفين والتجار

مفهوم التضخم الاقتصادي


يعتبر التضخم انعكاسا ونتيجة للسياسات الاقتصادية المتبعة . وفى واقع الأمر، فان وجود التضخم فى الاقتصاد الوطني يعنى فشل السياسات الاقتصادية فى تحقيق أحد أهم أهدافها ألا وهو هدف الحفاظ على الاستقرار العام للأسعار. من ناحية أخرى ، فان هناك ارتباطا قويا ومباشراً بين السياسات الاقتصادية وأهدافها وكفاءة وفعالية أدائها وبين الجوانب البنيوية والهيكلية للنظام السياسي.

وبدون الدخول فى مناقشة مطولة للتعريفات المختلفة للسياسة الاقتصادية، فإن يمكن القول بان السياسة الاقتصادية تتجسد بصفة عامة فى " مجموعة من الإجراءات - النوعية والكمية - التى تستهدف تحقيق جملة من الأهداف التى يضعها النظام السياسي"

الفصل الأول:

تعريف التضخم وتاريخه:

تعريف التضخم:

تعريف التضخم: يعتبر" التضخم " من أكبر الاصطلاحات الاقتصادية شيوعاً غير أنه على الرغم من شيوع استخدام هذا المصطلح فإنه لايوجد اتفاق بين الاقتصاديين بشأن تعريفه ويرجع ذلك إلى انقسام الرأي حول تحديد مفهوم التضخم حيث يستخدم هذا الاصطلاح لوصف عدد من الحالات المختلفة يمكن أن نختار منها الحالات التالية (الأمين، 1983: 16):

1. الارتفاع المفرط في المستوى العام للأسعار.

2. ارتفاع الدخول النقدية أو عنصر من عناصر الدخل النقدي مثل الأجور أو الأرباح.

3. ارتفاع التكاليف.

4. الإفراط في خلق الأرصدة النقدية.

وليس من الضروري أن تتحرك هذه الظواهر المختلفة في اتجاه واحد في وقت واحد... بمعنى أنه من الممكن أن يحدث ارتفاع في الأسعار دون أن يصحبه ارتفاع في الدخل النقدي... كما أن من الممكن أن يحدث ارتفاع في التكاليف دون أن يصحبه ارتفاع في الأرباح... ومن المحتمل أن يحدث إفراط في خلق النقود دون أن يصحبه ارتفاع في الأسعار أو الدخول النقدية(البازعي، 1997م: 30).

وبعبارة أخرى فإن الظواهر المختلفة التى يمكن أن يطلق على كل منها " التضخم " هي ظواهر مستقلة عن بعضها بعضاً إلى حد ما وهذا الاستقلال هو الذي يثير الإرباك في تحديد مفهوم التضخم.

ويميز اصطلاح التضخم بالظاهرة التى يطلق عليها وبذلك تتكون مجموعة من الاصطلاحات وتشمل:

1. تضخم الأسعار: أي الارتفاع المفرط في الأسعار.

2. تضخم الدخل: أي ارتفاع الدخول النقدية مثل تضخم الأجور وتضخم الأرباح.

3. تضخم التكاليف: أي ارتفاع التكاليف.

4. التضخم النقدي: أي الإفراط في خلق الأرصدة النقدية.

ومن هنا يرى بعض الكتاب أنه عندما يستخدم تعبير "التضخم" دون تمييز الحالة التى يطلق عليها فإن المقصود بهذا الاصطلاح يكون تضخم الأسعار وذلك لأن الارتفاع المفرط في الأسعار هو المعنى الذي ينصرف إليه الذهن مباشرة عندما يذكر اصطلاح التضخم.

تاريخ التضخم:

نظرا لما للتضخم من أثر، سواء كان ذلك على توزيع الدخل القومي، أو على تقويم المشروعات، أو على ميزان المدفوعات، أو على الكفاية الإنتاجية... ونظرا لما تولده ظاهرة التضخم من آثار اجتماعية بحيث يزداد الفساد الإداري وتنتشر الرشوة وتزداد هجرة الكفاءات الفنية للخارج، وتزداد الصراعات بين طبقات المجتمع... كل ذلك أدى إلى الاهتمام الكبير بظاهرة التضخم، وإلى البحث عن أهم الأسباب المؤدية إليها.

ففي القرن التاسع عشر كان التركيز على جانب واحد من جوانب التضخم وهو (التضخم النقدي) ( بحيث إذا ازداد عرض النقود بالنسبة إلى الطلب عليها انخفضت قيمتها، وبعبارة أخرى، ارتفع مستوى الأسعار، وإذا ازداد الطلب على النقود بالنسبة إلى عرضها ارتفعت قيمتها، وبعبارة أخرى انخفض مستوى الأسعار).

ثم كانت تحليلات الاقتصادي ( كينز )، حيث ركز على العوامل التي تحكم مستوى الدخل القومي النقدي، وخاصة ما يتعلق بالميل للاستهلاك، وسعر الفائدة، والكفاءة الحدية لرأس المال. وهكذا توصل (كينز) إلى أن التضخم هو: زيادة حجم الطلب الكلي على حجم العرض الحقيقي زيادة محسوسة ومستمرة، مما يؤدي إلى حدوث سلسلة من الارتفاعات المفاجئة والمستمرة في المستوى العام للأسعار، وبعبارة أخرى تتبلور ماهية التضخم في وجود فائض في الطلب على السلع، يفوق المقدرة الحالية للطاقة الإنتاجية.

وفي النصف الثاني للقرن العشرين ظهرت المدرسة السويدية الحديثة، بحيث جعلت للتوقعات أهمية خاصة في التحليل النقدي للتضخم، فهي ترى أن العلاقة بين الطلب الكلي والعرض الكلي لا تتوقف على خطط الإنفاق القومي من جهة وخطط الإنتاج القومي من جهة أخرى، أو بعبارة أدق تتوقف على العلاقة بين خطط الاستثمار وخطط الادخار(البازعي، 1997م: 83).

أنواع التضخم:

1- التضخم الأصيل: يتحقق هذا النوع من التضخم حين لا يقابل الزيادة في الطلب الكلي زيادة في معدّلات الإنتاج مما ينعكس أثره في ارتفاع الأسعار.

2-التضخم الزاحف: يتسم هذا النوع من أنواع التضخم بارتفاع بطيء في الأسعار.

3-التضخم المكبوت: وهي حالة يتم خلالها منع الأسعار من الارتفاع من خلال سياسات تتمثل بوضع ضوابط وقيود تحول دون اتفاق كلي وارتفاع الأسعار.

4-التضخم المفرط: وهي حالة ارتفاع معدلات التضخم بمعدلات عالية يترافق معها سرعة في تداول النقد في السوق، وقد يؤدي هذا النوع من التضخم إلى انهيار العملة الوطنية، كما حصل في كل من ألمانيا خلال عامي 1921 و1923 وفي هنغاريا عام 1945 بعد الحرب العالمية الثانية (الأمين، 1983: 35).

أسباب نشوء التضخم:

ينشأ التضخم بفعل عوامل اقتصادية مختلفة ومن أبرز هذه الأسباب:

1-تضخم ناشئ عن التكاليف: ينشأ هذا النوع من التضخم بسبب ارتفاع التكاليف التشغيلية في الشركات الصناعية أو غير الصناعية، كمساهمة إدارات الشركات في رفع رواتب وأجور منتسبيها من العاملين ولاسيما الذين يعملون في المواقع الإنتاجية والذي يأتي بسبب مطالبة العاملين برفع الأجور(العمر، 1416هـ: 40).

2-تضخم ناشئ عن الطلب: ينشأ هذا النوع من التضخم عن زيادة حجم الطلب النقدي والذي يصاحبه عرض ثابت من السلع والخدمات، إذ أن ارتفاع الطلب الكلي لا تقابله زيادة في الإنتاج. مما يؤدي إلى إرتفاع الأسعار.

3-تضخم حاصل من تغييرات كلية في تركيب الطلب الكلي في الإقتصاد حتى لو كان هذا الطلب مفرطاً أو لم يكن هناك تركز اقتصادي إذ أن الأسعار تكون قابلة للإرتفاع وغير قابلة للانخفاض رغم انخفاض الطلب .

4-تضخم ناشئ عن ممارسة الحصار الاقتصادي تجاه دول أخرى، تمارس من قبل قوى خارجية، كما يحصل للعراق وكوبا ولذلك ينعدم الاستيراد والتصدير في حالة الحصار الكلي مما يؤدي إلى ارتفاع معدلات التضخم وبالتالي انخفاض قيمة العملة الوطنية وارتفاع الأسعار بمعدلات غير معقولة (البازعي، 1997م: 91).

الفصل الثاني:

النظريات الاقتصادية والتضخم:

لقد سيطرت مشكلة التضخم المزمنة على اهتمام المفكرين الاقتصاديِّين؛ فعَكَفوا على دراسة أسباب هذه الأزمات التضخمية؛ من أجل الوصول إلى حلول مناسبة لعلاج هذا الارتفاع المستمر في مستوى الأسعار، وما يترتب عليه من آثار ضارة بالاقتصاد القوميّ(العمر، 1416هـ:49 ).



أ - الاقتصاديون الكلاسيكيون:

يُرجع الاقتصاديّون الكلاسيك التضخّمَ النقديّ أساسًا إلى ظاهرة نقديّة خالصة، تتمثل في ارتفاع معدل الطلب كنتيجة لزيادة كمية النقود في الاقتصاد، مما يترتب عليه ارتفاع مستويات الأسعار؛ نظرًا لثبات حجم الإنتاج وسرعة دوران النقود، وهو نفس ما ذهبت إليه النظرية العامة لكينز، حيث تتبلور ماهية التضخّم في وجود فائض في الطلب Excess Demand يفوق المقدرة الحالية للطاقات الإنتاجية، وتكون الفجوة التضخّمية Inflationary Gap هي التعبير عن هذا الاختلال بين الطلب والعرض (الأمين، 1983: 45).

ب – المدرسة السويدية:

أضافت المدرسة السويدية إلى النظرية الكَمِّيّة للنقود عاملاً جديدًا، فجعلت للتوقعات أهمية خاصة في تحديد العلاقة بين الطلب الكليّ والعرض الكليّ. وترى هذه المدرسة أن هذه العلاقة لا تتوقف فقط على مستوى الدخل - كما ترى النظرية الكينزية - وإنما تتوقف على العلاقة بين خطط الاستثمار وخطط الادخار.

وقد أدى استمرار التضخّم النقديّ مع وجود معدلات عالية من البطالة أو انتشار ظاهرة التضخّم الركوديّ Inflationary Stagnation(البازعي، 1997م: 112).

جـ – مدرسة شيكاغو:

أدت ظاهرة التضخم الركودي إلى عودة اقتصاديّ مدرسة شيكاجو، وعلى رأسهم ميلتون فريدمان، إلى النظرية الكمية للنقود، حيث يرون أنه لا توجد علاقة على المدى الطويل بين التضخّم والبطالة، وأن التضخّم ظاهرة نقديّة بحتة ترجع إلى نمو النقود بكمية أكبر من نمو كمية الإنتاج، أي أن حالة التضخّم ترجع إلى زيادة واضحة في متوسط نصيب وحدة الإنتاج من كمية النقود المتداولة.

د - مواضع الاتفاق والاختلاف:

ويتفق اقتصاديّو الفكر النقديّ Monetarists على أن معالجة ظاهرة التضخّم المعرقلة لعملية التنمية لن تتم إلا من خلال رسم سياسة نقديّة وماليّة حكيمة وغير تضخّمية، تستهدف تحقيق التوازن بين كمية النقود وحجم الناتج عن طريق تغيير الائتمان المصرفيّ وامتصاص فائض الطلب.

هـ – البنيويون أو الهيكليون:

ويقابل هذا الاتجاه للاقتصاديّين النقديّين الذين ركزوا على الجانب النقديّ من ظاهرة التضخّم اتجاهًا آخر يرى في التضخّم ظاهرة اقتصاديّة واجتماعية ترجع إلى الاختلالات الهيكليّة الموجودة بصفة خاصة في الاقتصاديّات المختلفة. وقد عُرف اقتصاديّو هذا الاتجاه بالهيكليّين Structuralists، وقد كان شولتز أول من لفت النظر إلى أهمية التحليل الهيكليّ للتضخّم الذي يبين وجود خلل هيكليّ ناشئ عن عجز بنيان العرض عن التغير ليتلاءم مع تغير بنيان الطلب، نظرًا لعدم مرونة الجهاز الإنتاجيّ. ويضيف شولتز إلى هذا الخلل عدمَ وجود بطالة والاقتراب من مستويات تشغيل عُليَا.

ولا يقتصر ارتفاع الأسعار على تلك المنتجات التي زاد الطلب عليها، وإنما يمتد إلى منتجات الصناعات التي انخفض الطلب عليها أيضًا؛ نظرًا لقوة نقابات العمال التي تُسهم في تجميد الأجور، فضلاً عن ارتفاع أسعار المواد الخام التي تشترك هذه الصناعات في استخدامها مع الصناعات التي زاد الطلب على منتجاتها.

ويرى الاقتصاديّون الهيكليون أن العوامل الهيكليّة الاقتصاديّة والاجتماعية والسياسية هي التي تَربِض - في المجال الأخير - وراء زيادة الطلب ووراء الإدارة النقديّة والماليّة السيئة في تلك الدول، فيفسِّرون القوى التضخّمية بمجموعة من الاختلالات، تشمل: الطبيعة الهيكليّة للتخصص في إنتاج المواد الأولية، وجمود الجهاز الماليّ للحكومات، وضآلة مرونة عرض المنتجات الغذائية، فضلاً عن طبيعة عملية التنمية وما تولده من اختلالات في مراحلها الأولى. ويخلُص الاقتصاديّون الهيكليون إلى ضرورة معالجة هذه الاختلالات الهيكليّة للقضاء على ظاهرة التضخّم التي تعاني منها الاقتصاديّات المتخلفة بصفة خاصة؛ بغية مواصلة جهود التنمية والمحافظة على مواردها(البازعي، 1997م: 125).

وشكرا ... تقبلو تحياتي

الإطـار العـام للتنميـة الإقتصـاديـة

مقدمـة
تعتبر التنمية الإقتصادية في فلسطين من الأولويات التي تشغل بال الفلسطينيين على إختلاف المراحل التي مر بها الشعب الفلسطيني. ويبدو أن موضوع التنمية في فلسطين والظروف التي تعيشها قد فرض طابعاً خاصاً سواء على طبيعة النشاط أو على خطط وبرامج التنمية، وبالتالي إكتسب مفهوم التنمية خصوصية مرتبطة بما يدور في المنطقة وعلاقته بمجريات الحياة الإقتصادية والإجتماعية والسياسية. وتعرضت عملية التنمية في فلسطين للعديد من المصاعب والمعوقات التي تحول دون إستمراريتها، وتحد من نتائجها وتؤثر سلباً على مستوى المعيشة لغالبية السكان، نظراً لعدم الإستقرار والتدخلات المباشرة لسلطات الإحتلال الإسرائيلي، وضرب عناصر البنية الأساسية والمرافق العامة وتوسيعات الإنتاج في كل الأنشطة.
لذا تحتاج الرؤية التنموية للإقتصاد الفلسطيني إلى جهد منظم من جميع شركاء التنمية الثلاث الحكومة والقطاع الخاص، والمجتمع المدني. حيث لا مفر من وضوح الرؤية وإستمرار العمل التنموي رغم كل المصاعب والمعوقات من خلال رؤية واقعية لإقتصاد فلسطيني تستهدف تحريره من التبعية للإقتصاد الإسرائيلي، إقتصاد لا يراهن على تصدير العمل الرخيص، بل يراهن على عناصر القوة الرئيسة فيه.
اولاً: تحليل البيئة التنموية للإقتصاد الفلسطيني
تعتمد البيئة التنموية الفلسطينية على ثلاثة عناصر أساسية متداخلة لا يمكن أن تتحقق التنمية بدونهما وهم: أولاً: التخلص من الإحتلال وضمان حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره بما يضمن السيطرة على الموارد وكذلك المعابر والحدود والتحكم بالمنافذ والحركة.
ثانياً: العمل على توفير منظومة من التشريعات والقوانين والسياسات البعيدة عن الإحتكارات والجاذبة للإستثمار الخارجي والمشجعة للقطاع الخاص في إطار إشراف الدولة كراعي إجتماعي ومعززة بالشراكة مع منظمات المجتمع المدني. ثالثاً: جذب التعاطف والإسناد الدولي وخاصة أن جل الخزينة يعتمد على المساعدات الخارجية، والتي من الواضح أنها جاءت لإعتبارات سياسية، وعلى خلفية توقيع إتفاق أوسلو بهدف تشجيع مناخات الإستقرار والهدوء.
1- البيئة الداخلية للتنمية الإقتصادية في فلسطين
نتيجة للظروف المحيطة إفتقد العمل التنموي الفلسطيني للرؤية التنموية الشاملة، التي تحظى بإجماع وقناعة شركاء التنمية الفلسطينية الثلاث الدولة، القطاع الخاص، والمجتمع المدني، وتكون معتمدة من قبل صانعي السياسات الإقتصادية في السلطة السياسية، وتحظى بإلتزام جميع الجهات الفلسطينية والشريكة في تنفيذ الخطط والبرامج التنموية في مختلف المجالات والمناطق الفلسطينية. وكانت هناك محاولات لوضع رؤية تنموية، ولكنها لم تستكمل لا من حيث بناء الإجماع عليها من قبل شركاء التنمية الفلسطينية الثلاث، ولا من حيث إعتمادها من قبل الهيئات الرسمية المخولة في السلطة الوطنية الفلسطينية، وإعطاءها دور الموجه المعتمد مخطط وبرامج ونشاطات وسائر الفعاليات التنموية في مختلف القطاعات والمناطق وعلى جميع المستويات. وفيما يلي نتناول تحليلاً لأبرز نقاط القوة والضعف في الإقتصاد الفلسطيني.
أ- نقاط القوة
- الموارد البشرية المواتية
- الإستثمار البشري
- التجمعات الفلسطينية في الخارج
- مؤسسات المجتمع المدني
- الموقع الجغرافي
- حيوية القطاع الخاص
ب- نقاط الضعف
- ضعف القطاع الحكومي.
- محدودية قاعدة المصادر ( الأرض – المياه – الموارد الطبيعية).
- التبعية الإقتصادية لإسرائيل.
- التشوهات الهيكلية المتراكمة، والتي تتمثل في (ضعف العلاقة بين الإنتاج والإستهلاك- ضعف العلاقة بين إنتاجية العمل والأجور في الإقتصاد الفلسطيني- الإعتماد الشديد على سوق العمل الإسرائيلي- إحتكار إسرائيل تجارة فلسطين الخارجية- ضعف البنية التحتية).
- ضعف مشاركة المرأة في النشاط الإقتصادي.
2- البيئة الخارجية للتنمية الإقتصادية في فلسطين
رغم كل ما يواجه عملية التنمية في فلسطين من صعاب، إلا أنه كان لابد للشعب الفلسطيني أن يقاوم وبشدة عملية الهدم والتشويه لإمكانياته وقدراته. ويستدعي ذلك ضرورة تحليل البيئة الخارجية حيث لا يعمل الإقتصاد الفلسطيني في فراغ، وإنما يعمل في ظل أطر محيطة به بدءً من الإطار أو المحيط العربي والإسلامي وإنتهاءً بالعالم الخارجي. وفيما يلي تحليل لأهم الفرص المتاحة والمخاطر المحيطة.
أ‌- الفرص المتاحة
- العمق العربي والإسلامي.
- الدعم الدولي.
- التسهيلات التجارية في الأسواق العربية والإسلامية.
ب- التهديدات
- ضعف الجهود التنموية.
- تعسف الممارسات الإسرائيلية.
- مخاطر الإعتماد على المساعدات الخارجية.
ثانياً: أبعاد وأدوات إستراتيجية التنمية الإقتصادية الفلسطينية
يتطلب إعتماد إستراتيجية لتحقيق النمو المستدام تقوم على إعتبارات الحد من الفقر والأمن الإجتماعي، والتضييق المتواصل لفجوة الدخل بين المواطنين، ومعالجة حالة توزيع الدخل والتهميش الإقتصادي لجزء كبير من السكان، أن تركز على البعد الإجتماعي والمجتمعي في خطة التنمية الإقتصادية. لذا سيتم هنا تناول الأبعاد الداخلية لإستراتيجية التنمية الإقتصادية الفلسطينية.
1- الإستثمار في العنصر البشري
لقد كان الإستثمار في البشر وراء الطفرة الإجتماعية التي حدثت في جنوب شرق آسيا، وتجارب دول عديدة منها كوريا وماليزيا وسنغافورة والصين. كما كان الإستثمار في العنصر البشري وراء زيادة جاذبية هذه الدول للإستثمارات الأجنبية المباشرة، التي أصبحت الآن مدخلاً رئيسياً لنجاح برامج التنمية. ويستند هذا المبدأ على قاعدة عريضة من الكفاءات البشرية في الأراضي الفلسطينية.
ووفقاً لتقرير التنمية البشرية في العالم للعام 2007م لم تتمكن الدول العربية من إحراز مراتب متقدمة، فقد حصلت الكويت على المرتبة الأولى بين الدول العربية بعد أن حلت في المرتبة رقم 33 على مستوى العالم من بين 177 بلداً شملها التقرير. وهذا بدوره يعني نجاح 32 بلداً في العالم في الحصول على ترتيب أفضل من نتيجة أفضل بلد عربي في التنمية البشرية. وجاء ترتيب الأردن 88 وفلسطين 106 ومصر 112 على مستوى العالم. ويشير تقرير التنمية في العالم للعام 2007م والذي يقوم بإصداره البنك الدولي، أن الوقت الحالي هو أفضل الأوقات للإستثمار في الشباب فعدد من هم في سن 12-24 عاماً على الصعيد العالمي يبلغ 3,1 بليون شخص، فهم الأكثر عافية وأفضل مستوى تعليمياً، لذا يمكن إعتبارهم قاعدة يتم البناء عليها في عالم يطلب ما هو أكثر من المهارات الأساسية.
2- جذب الإستثمارات الأجنبية المباشرة
يمثل تدفق الإستثمار الأجنبي المباشر أهم عنصر من عناصر التمويل الخارجي للتنمية في الدول النامية. وإذا نظرنا إلى حصة الدول العربية من الإستثمار الأجنبي المباشر كنسبة من التدفق العالمي نجد أن حصة الدول العربية إنخفضت من 4,4 في المائة إلى 9,3 في المائة. كذلك إنخفضت حصة الدول العربية كنسبة من إجمالي التدفقات الداخلة للدول النامية من 15 في المائة عام 2006م لتصبح 5,14 في المائة بنهاية 2007م.
ومما لا شك فيه أن سكان الأراضي الفسطينية يعانون من تدني مستويات الدخل وإنقطاع سبل الحياة وكسب العيش بالداخل، لذلك لا مناص من العمل على جذب الإستثمارات الأجنية المباشرة خاصة تلك التي تبحث عن إعتبارات الكفاءة التي تتوفر في الإقتصاد الفلسطيني، من خلال المهارات والكوادر البشرية العالية التي يدعمها إرتفاع في مستوى التعليم والتدريب والطموحات لدى مختلف الفئات العاملة في فلسطين، حيث بلغ نصيب الضفة الغربية وقطاع غزة من FDI عام 2004م حوالي 49 مليون دولار، وفي عام 2005م 47 مليون دولار و38 و21 مليون دولار للأعوام 2006م و2007م على التوالي.
3- إتباع منهج التخطيط التأشيري كأداة للتنمية
في ظل التخطيط التأشيري فإن نشاط القطاع الخاص لا يحاط بالقيود أو الجمود، كما لايتم التوجيه بشكل مباشر بإتجاه تحقيق الأهداف والأولويات الوادرة بالخطة، وإنما يظل من المتوقع أن يساهم القطاع الخاص في تنفيذ الأهداف وإنجاح الخطة، وذلك عن طريق قيام الدولة بتقديم كل أنواع التسهيلات لتحفيز القطاع الخاص، وليس بغرض التوجيه أو الإلزام والعمل على جذبه لمجالات العمل التي تساهم أكثر في تنفيذ الخطة.
وينظر للتخطيط التأشيري كمنهج وسط بين أساليب حل المشكلة الإقتصادية له خصوصية وأسلوب متكامل، يتضمن عملية مزج دقيقة بين المنهج الشمولي الذي تسيطر فيه الدولة على موارد المجتمع، وبين تخطيط إصلاحي تقوم فيه الدولة بدور محدود في النشاط الإقتصادي يعالج الإختلالات والمتاعب بعد وقوعها دون أن تتدخل بشكل مباشر في آلية السوق والحرية الفردية.
وتعتبر تجربة التخطيط الفرنسية أقرب الصور لهذا المفهوم حيث إعتمدت على منهج التخطيط التأشيري Indicative بشكل أساسي. وركزت على التأثير في أنشطة القطاع الخاص من خلال الإقناع Persuasion، في حين نظمت قضايا أخرى مثل الإستهلاك عن طريق السياسات المالية والنقدية.
4- المساعدات الخارجية
تتلقى السلطة الفلسطينية من الدول الغربية والعربية المساعدات الخارجية تضامناً مع الشعب الفلسطيني وفي مواجهة ظروف الإحتلال والحصار التي تعيشها الأراضي الفلسطينية. وقد بلغ إجمالي التعهدات منذ العام 1994م وحتى نهاية العام 2004م حوالي 9000 مليون دولار، هذا إضافة إلى التعهدات التي حصلت عليها السلطة الوطنية الفلسطينية في مؤتمر لندن الذي عقد في شهر آذار من عام 2005م، بقيمة زادت على 1300 مليون دولار. كما تعهد المؤتمر الدولي للجهات المانحة في باريس من العام 2007م بدفع 4,7 مليار دولار لدعم الإقتصاد الفلسطيني خلال الاعوام الثلاثة المقبلة 2008م-2010م.
وتشير بيانات وزارتي التخطيط والمالية في السلطة الفلسطينية، إلى أن إجمالي المساعدات التي إلتزمت الجهات المانحة بتقديمها خلال الفترة (1994-2004م) بلغت حوالي 7500 مليون دولار بمعدل سنوي تجاوزي 670 مليون دولار. وتشكل تلك الإلتزامات حوالي 91 في المائة من إجمالي التعهدات في الفترة السابقة. وقد قامت تلك الجهات فعلياً بتقديم مساعدات بلغت قيمتها حوالي 7000 مليون دولار وذلك حتى نهاية العام 2004م، بمعدل سنوي بلغ حوالي 630 مليون دولار، أو ما نسبته 95 في المائة من إجمالي الإلتزامات (89 في المائة من إجمالي التعهدات). ولعل من أهم الأسباب التي ساهمت في وجود هذه الفروق بين ما إلتزم به، وما تم صرفه فعلاً، إرتباط المساعدات الخارجية بتطورات عملية التسوية السياسية، وتحوله عن هدفه الرئيسي الإستثمار في السلام، إلى تمويل عملية التسوية ومنع إنهيارها.
بالرغم من الحجم الكبير نسبياً للمساعدات الخارجية للشعب الفلسطيني، إلا إنه يمكن الإستنتاج بأن ضعف التنسيق بين مؤسسات السلطة المعنية نفسها، ومع منظمات المجتمع المدني في تخطيط وإدارة وتنفيذ البرامج والمشاريع المشمولة والمتعلقة بهذه المساعدات قد حد من الإستفادة بالقدر الكافي من هذه المساعدات، فغلبت على إدارة مؤسسات السلطة لهذه المساعدات سمات التداخل واللامنهجية في تحديد أولويات الإنفاق وشروطه، بعيداً عن رؤية أو خطة تنموية شاملة ومتكاملة.
لذا من الضروري قيام مؤسسات السلطة الفلسطينية ومن خلال الخطط الموضوعة لإستيعاب المساعدات الدولية بتعميم برامج ومشاريع العمل التي تربط بين الإغاثة والتنمية. وقد يكون من المفيد في هذا السياق التركيز على مشاريع البنية التحتية والإستثمار في التعليم كونهما أساساً للتنمية الفلسطينية طويلة الأمد. ويمكن أيضاً توجيه إهتمام هذه المشاريع للإستثمار في الصناعات الزراعية والحرفية التي تخدم الأسواق المحلية، والتي لها أكبر الأثر في خلق فرص العمل في الظروف السياسية الراهنة.
ثالثاً: أهداف إستراتيجية التنمية الإقتصادية الفلسطينية
إزاء الوضعية الحالية التي تتكرس من خلالها إرتباط الإقتصاد الفلسطيني بالإقتصاد الإسرائيلي، يصبح تخلص الإقتصاد الفلسطيني من روابطه مع الإقتصاد الإسرائيلي أمراً ملحاً، لا سيما في ظل الإستخدام الإسرائيلي المتكرر لهذه الروابط للضغط على الإقتصاد الفلسطيني.
1- تعزيز القدرة الذاتية للإقتصاد الفلسطيني
يشكل بناء القدرة الذاتية للمجتمع والإقتصاد الفلسطيني، وخصوصاً تطوير رأس المال البشري، الرد المباشر على عملية التهميش الإقتصادي والإجتماعي والثقافي الذي يمارسه الإحتلال ضد الشعب الفلسطيني. لذا سوف تؤدي زيادة الإستثمار في رأس المال البشري إلى التخلص التدريجي من التشوهات التي أحدثها الإحتلال في سوق العمل، وإلى تهيئة الإقتصاد الفلسطيني للإندماج في الإقتصاديات العالمية من خلال تحسين الإنتاجية، وزيادة القدرة للتنافسية للمنتجات الفلسطينية. وسوف يتيح ذلك إمكانية إستيعاب أعداد كبيرة من الأيدي العاملة الفلسطينية داخل الإقتصاد الفلسطيني، وبالذات داخل القطاع الخاص، ما يقلل من تبعية الإقتصاد الفلسطيني للإقتصاد الإسرائيلي.

2- تقليص التبعية للإقتصاد الإسرائيلي
كان الإحتلال الإسرائيلي ومازال العامل الأكثر تأثيراً في تشكيل بنية وطبيعة الإقتصاد الفلسطيني، وبالتالي في صياغة مؤشرات التنمية البشرية. فقد إستهدفت السياسة الإسرائيلية تعطيل حركة الإقتصاد الفلسطيني، ووضع العراقيل أمام مختلف الأنشطة الإقتصادية، لمنع قيام أية محاولة لإحداث تنمية حقيقية في الأراضي الفلسطينية. في النهاية أصبح الفلسطينيون يعتمدون بنسبة 90 في المائة على إسرائيل في توفير وسائل العيش المختلفة. في حين أن التعاون مع العالم الخارجي والذي كان يشكل نسبة ضئيلة جداً لا تزيد عن 15 في المائة في عام 2005م، كان يتم من خلال وبموافقة سلطات الإحتلال. وأصبح السوق الفلسطيني يمثل أكبر سوق للصادرات الإسرائيلية بحيث يستوعب ما نسبته 15 في المائة منها في نفس العام.
3- تحسين مؤشرات التنمية البشرية
تنصب مؤشرات التنمية البشرية أساساً على ثلاثة محاور رئيسية، الأول يتعلق بمستوى المعيشة ومتوسط دخل الفرد، وهو مايرتبط بالنشاط الإقتصادي ومعدلات الإستثمار وتطور الإنتاجية بقطاعات النشاط الإقتصادي بصفة عامة. أما البعد الثاني، فيتمثل في الحالة التعليمية والمعارف وهو بعد هام في التنمية البشرية في الإقتصاد الفلسطيني، لما يتمتع به من مستويات عالية من التعليم وإكتساب المعارف بالداخل والخارج. أما البعد الثالث، فيتعلق بالحالة الصحية وهو بعد يحد كثيراً من إنجازات التنمية البشرية بجانب البعد الأول، حيث تعاني كافة مناطق فلسطين من تدهور الأوضاع الصحية.
رابعاً: سبل تطوير التنمية الإقتصادية الفلسطينية
تتطلب التنمية الإقتصادية في اي بلد آليات تنفيذ تبدأ بوضع الأهداف لحصر الموارد في ضوء تقييم الوضع الراهن، ثم تحديد متطلبات تحقيق الأهداف ورسم السياسات والإجراءات والآليات اللازمة لتنفيذها. وهذا يحتاج إلى جهد منظم من جميع شركاء التنمية الفلسطينية، الدولة والقطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني، في إطار مؤسسي وقانوني، يتحقق بإستخدام الوسائل والسياسات الإقتصادية المختلفة.


1- دور الدولة في عملية التنمية الإقتصادية
تستطيع الدولة بسلطاتها الثلاث، بحكم الصلاحيات الإدارية والتشريعية والقضائية المخولة لها، والقدرة الإقتصادية الكبيرة المتاحة لها من خلال الموازنة العامة وغيرها التأثير على سلوك وحدات المجتمع من الشركات أو الأفراد أو المؤسسات، من خلال سياساتها المختلفة، ومن تلك السياسات الإقتصادية: السياسة التجارية، السياسة المالية، السياسة الزراعية، السياسة السياحية، وغيرها. ولابد من إستخدام الأدوات بصورة منسقة لضمان تحقيق الأهداف التنموية، لأن عدم التناسق في إستخدام تلك الأدوات، سيقود إلى التضارب والتناقض في إتجاهات تأثيرها. ومن أجل ضمان الإستخدام المنسق للسياسات تقوم الدول بوضع إستراتيجيات تنموية محددة لضمان الوصول للأهداف المرجوه.
2- تشجيع وتوجيه مبادرات القطاع الخاص
يشكل القطاع الخاص في الأراضي الفلسطينية بشكل عام محركا أساسياً في عملية التنمية والتطور الإقتصادي، حيث يملك قدرة عالية على إستغلال فرص النمو وجذب الإستثمارات العالمية. وقد حافظ على مستوى مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي ليصل في عام 2005م إلى ما قيمته 3 مليون دولار، ما يمثل حوالي 70 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وكذلك أن يؤمن 454 ألف فرصة عمل جديدة، أي مايمثل 73 في المائة من القوى العاملة الفلسطينية. جدير بالذكر أن القدرة الإنتاجية للقطاع الخاص إنخفضت في قطاع غزة من نسبة 76 في المائة قبل بداية إنتفاضة الأقصى إلى نسبة 1,31 في المائة خلال الربع الأول من عام 2001م، واستعادت بعضاً من طاقتها لتصل في الفترة الممتدة ما بين كانون الثاني 2006م ويونيو 2007م إلى معدل 46 في المائة.
على الرغم من التحديات التي يواجهها القطاع الخاص الفلسطيني، فإن هناك العديد من النقاط المضيئة التي يجب إستغلالها بكفاءة وتحويلها إلى فرص. إن معظم الدراسات تظهر أن مستقبل الإقتصاد الفلسطيني يعتمد إلى حد كبير على مدى قدرة شركات القطاع الخاص الفلسطيني على تعديل أوضاعها، في جميع المجالات التقنية والمعلوماتية، وتفعيل القدرات البشرية المتوفرة، وإستغلال الموقع الجغرافي، والمكانة الدينية والتاريخية، وربط الإقتصاد الفلسطيني بمحيطه العربي والإقليمي.

3- دور المنظمات الأهلية الفلسطينية في عملية التنمية الإقتصادية
تمتاز منظمات المجتمع المدني الفلسطيني بقربها من المستفيدين من الخدمات الحكومية، وبالتالي فإنها أقدر على رصد أهم الإحتياجات وتحديد الخدمات، والأكثر إلحاحاً مثل المدارس والمستشفيات ومراكز التأهيل والمساعدات الإجتماعية .. إلخ. كما أنها قادرة على تقييم هذه الخدمات ومدى رضا الناس عنها. ويشير الوضع الحالي للمنظمات الأهلية إلى وجود العديد من التحديات أمامها كي تعمل بفعالية، وتقوم بدورها في بناء المجتمع المدني الفلسطيني، وبالتالي فإن عليها أن تعمل على تطوير بنيتها المؤسساتية، وتمتلك قدرات وإمكانيات بشرية وتنظيمية كي تتلاءم مع حجم الدور المناط بها.
وبناءً على ذلك أشارت دراسة قام بها مركز بيسان للبحوث والإنماء بعنوان إحتياجات وأولويات الفقراء عام 2000م إلى أن 135 مؤسسة أهلية فلسطينية (2,65 في المائة) من حوالي 207 مؤسسات أهلية شملتها العينة، لا تزال تقدم خدمات مختلفة للمجتمع الفلسطيني وفي قطاعات تنموية مختلفة. إن ذلك يدل على أهمية إستمرار تقديم الخدمات من قبل المنظمات الأهلية.
خاتمة
يشكل إستمرار وضع الإقتصاد الفلسطيني رهينة للإحتلال الإسرائيلي عقبة أمام تطوره والنهوض به. فما زالت إسرائيل تفرض هيمنتها وسيطرتها على مقدرات الإقتصاد الفلسطيني، فهي تسيطر على المنافذ والمعابر، وتقيم الحواجز أمام حركة الأفراد والتجارة الداخلية والخارجية، وتدمر البنية التحتية، وتستولي على الأراضي، وتحتجز أموال السلطة لديها وتفرض القيود على البنوك العاملة في الأراضي الفلسطينية. وعليه فإن عملية تطوير الإقتصاد الفلسطيني تحتاج إلى جهود منظمة مدعومة من الخارج.
فيما يخص التجربة التنموية الفلسطينية فإن موضوع التنمية كان دائماً موضع إهتمام، ولكن النقاش لغاية الآن لم يستكمل بالإعلان عن رؤية تنموية متفق عليها من قبل جميع شركاء التنمية في الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني، نظراً لظروف الإحتلال الأمر الذي أدى إلى عدم وجود توجه تنموي شامل. ولسد هذا النقص لابد من تصدى شركاء التنمية الفلسطينية الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني لهذه المهمة ببلورة رؤية تنموية تحظى بإجماعهم، وليصار إلى إعتمادها رسمياً من قبل السلطة الوطنية الفلسطينية في حشد وتوحيد الجهود التنموية لبناء قاعدة إقتصادية إجتماعية متينة، وخلق مقومات إقتصاد عصري ومنافس قادر على مواجهة تحديات الإنفتاح والإندماج في السوق الإقليمية والعالمية.
إن خصوصية الحالة الفلسطينية تستدعي إستراتيجية تنموية خاصة بها، بحيث يكون أبرز معالمها التركيز على بعض المرافق الإقتصادية ضمن القطاعات المختلفة، مما يعنى إزالة التشوهات المتراكمة خلال فترة الإحتلال الإسرائيلي، والعمل على تنمية وتطوير المرافق والقطاعات. من جهة أخرى فالإقتصاد الفلسطيني بحاجة إلى تنمية تلبي الحاجات الأساسية وتعتمد على الذات، وتتصف بالتوازن والإستقرار والتواصل. أي المقصود إعداد رؤية تنموية لإقتصاد فلسطيني قادر على مواجهة تحديات التنمية وتطوير القدرة الذاتية في مواجهة خطط التهميش الإسرائيلية، ولمواجهة تحديات تحقيق التنمية المستدامة في دولة فلسطين بعد الإستقلال.