الأربعاء، 6 أبريل 2011

الإطـار العـام للتنميـة الإقتصـاديـة

مقدمـة
تعتبر التنمية الإقتصادية في فلسطين من الأولويات التي تشغل بال الفلسطينيين على إختلاف المراحل التي مر بها الشعب الفلسطيني. ويبدو أن موضوع التنمية في فلسطين والظروف التي تعيشها قد فرض طابعاً خاصاً سواء على طبيعة النشاط أو على خطط وبرامج التنمية، وبالتالي إكتسب مفهوم التنمية خصوصية مرتبطة بما يدور في المنطقة وعلاقته بمجريات الحياة الإقتصادية والإجتماعية والسياسية. وتعرضت عملية التنمية في فلسطين للعديد من المصاعب والمعوقات التي تحول دون إستمراريتها، وتحد من نتائجها وتؤثر سلباً على مستوى المعيشة لغالبية السكان، نظراً لعدم الإستقرار والتدخلات المباشرة لسلطات الإحتلال الإسرائيلي، وضرب عناصر البنية الأساسية والمرافق العامة وتوسيعات الإنتاج في كل الأنشطة.
لذا تحتاج الرؤية التنموية للإقتصاد الفلسطيني إلى جهد منظم من جميع شركاء التنمية الثلاث الحكومة والقطاع الخاص، والمجتمع المدني. حيث لا مفر من وضوح الرؤية وإستمرار العمل التنموي رغم كل المصاعب والمعوقات من خلال رؤية واقعية لإقتصاد فلسطيني تستهدف تحريره من التبعية للإقتصاد الإسرائيلي، إقتصاد لا يراهن على تصدير العمل الرخيص، بل يراهن على عناصر القوة الرئيسة فيه.
اولاً: تحليل البيئة التنموية للإقتصاد الفلسطيني
تعتمد البيئة التنموية الفلسطينية على ثلاثة عناصر أساسية متداخلة لا يمكن أن تتحقق التنمية بدونهما وهم: أولاً: التخلص من الإحتلال وضمان حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره بما يضمن السيطرة على الموارد وكذلك المعابر والحدود والتحكم بالمنافذ والحركة.
ثانياً: العمل على توفير منظومة من التشريعات والقوانين والسياسات البعيدة عن الإحتكارات والجاذبة للإستثمار الخارجي والمشجعة للقطاع الخاص في إطار إشراف الدولة كراعي إجتماعي ومعززة بالشراكة مع منظمات المجتمع المدني. ثالثاً: جذب التعاطف والإسناد الدولي وخاصة أن جل الخزينة يعتمد على المساعدات الخارجية، والتي من الواضح أنها جاءت لإعتبارات سياسية، وعلى خلفية توقيع إتفاق أوسلو بهدف تشجيع مناخات الإستقرار والهدوء.
1- البيئة الداخلية للتنمية الإقتصادية في فلسطين
نتيجة للظروف المحيطة إفتقد العمل التنموي الفلسطيني للرؤية التنموية الشاملة، التي تحظى بإجماع وقناعة شركاء التنمية الفلسطينية الثلاث الدولة، القطاع الخاص، والمجتمع المدني، وتكون معتمدة من قبل صانعي السياسات الإقتصادية في السلطة السياسية، وتحظى بإلتزام جميع الجهات الفلسطينية والشريكة في تنفيذ الخطط والبرامج التنموية في مختلف المجالات والمناطق الفلسطينية. وكانت هناك محاولات لوضع رؤية تنموية، ولكنها لم تستكمل لا من حيث بناء الإجماع عليها من قبل شركاء التنمية الفلسطينية الثلاث، ولا من حيث إعتمادها من قبل الهيئات الرسمية المخولة في السلطة الوطنية الفلسطينية، وإعطاءها دور الموجه المعتمد مخطط وبرامج ونشاطات وسائر الفعاليات التنموية في مختلف القطاعات والمناطق وعلى جميع المستويات. وفيما يلي نتناول تحليلاً لأبرز نقاط القوة والضعف في الإقتصاد الفلسطيني.
أ- نقاط القوة
- الموارد البشرية المواتية
- الإستثمار البشري
- التجمعات الفلسطينية في الخارج
- مؤسسات المجتمع المدني
- الموقع الجغرافي
- حيوية القطاع الخاص
ب- نقاط الضعف
- ضعف القطاع الحكومي.
- محدودية قاعدة المصادر ( الأرض – المياه – الموارد الطبيعية).
- التبعية الإقتصادية لإسرائيل.
- التشوهات الهيكلية المتراكمة، والتي تتمثل في (ضعف العلاقة بين الإنتاج والإستهلاك- ضعف العلاقة بين إنتاجية العمل والأجور في الإقتصاد الفلسطيني- الإعتماد الشديد على سوق العمل الإسرائيلي- إحتكار إسرائيل تجارة فلسطين الخارجية- ضعف البنية التحتية).
- ضعف مشاركة المرأة في النشاط الإقتصادي.
2- البيئة الخارجية للتنمية الإقتصادية في فلسطين
رغم كل ما يواجه عملية التنمية في فلسطين من صعاب، إلا أنه كان لابد للشعب الفلسطيني أن يقاوم وبشدة عملية الهدم والتشويه لإمكانياته وقدراته. ويستدعي ذلك ضرورة تحليل البيئة الخارجية حيث لا يعمل الإقتصاد الفلسطيني في فراغ، وإنما يعمل في ظل أطر محيطة به بدءً من الإطار أو المحيط العربي والإسلامي وإنتهاءً بالعالم الخارجي. وفيما يلي تحليل لأهم الفرص المتاحة والمخاطر المحيطة.
أ‌- الفرص المتاحة
- العمق العربي والإسلامي.
- الدعم الدولي.
- التسهيلات التجارية في الأسواق العربية والإسلامية.
ب- التهديدات
- ضعف الجهود التنموية.
- تعسف الممارسات الإسرائيلية.
- مخاطر الإعتماد على المساعدات الخارجية.
ثانياً: أبعاد وأدوات إستراتيجية التنمية الإقتصادية الفلسطينية
يتطلب إعتماد إستراتيجية لتحقيق النمو المستدام تقوم على إعتبارات الحد من الفقر والأمن الإجتماعي، والتضييق المتواصل لفجوة الدخل بين المواطنين، ومعالجة حالة توزيع الدخل والتهميش الإقتصادي لجزء كبير من السكان، أن تركز على البعد الإجتماعي والمجتمعي في خطة التنمية الإقتصادية. لذا سيتم هنا تناول الأبعاد الداخلية لإستراتيجية التنمية الإقتصادية الفلسطينية.
1- الإستثمار في العنصر البشري
لقد كان الإستثمار في البشر وراء الطفرة الإجتماعية التي حدثت في جنوب شرق آسيا، وتجارب دول عديدة منها كوريا وماليزيا وسنغافورة والصين. كما كان الإستثمار في العنصر البشري وراء زيادة جاذبية هذه الدول للإستثمارات الأجنبية المباشرة، التي أصبحت الآن مدخلاً رئيسياً لنجاح برامج التنمية. ويستند هذا المبدأ على قاعدة عريضة من الكفاءات البشرية في الأراضي الفلسطينية.
ووفقاً لتقرير التنمية البشرية في العالم للعام 2007م لم تتمكن الدول العربية من إحراز مراتب متقدمة، فقد حصلت الكويت على المرتبة الأولى بين الدول العربية بعد أن حلت في المرتبة رقم 33 على مستوى العالم من بين 177 بلداً شملها التقرير. وهذا بدوره يعني نجاح 32 بلداً في العالم في الحصول على ترتيب أفضل من نتيجة أفضل بلد عربي في التنمية البشرية. وجاء ترتيب الأردن 88 وفلسطين 106 ومصر 112 على مستوى العالم. ويشير تقرير التنمية في العالم للعام 2007م والذي يقوم بإصداره البنك الدولي، أن الوقت الحالي هو أفضل الأوقات للإستثمار في الشباب فعدد من هم في سن 12-24 عاماً على الصعيد العالمي يبلغ 3,1 بليون شخص، فهم الأكثر عافية وأفضل مستوى تعليمياً، لذا يمكن إعتبارهم قاعدة يتم البناء عليها في عالم يطلب ما هو أكثر من المهارات الأساسية.
2- جذب الإستثمارات الأجنبية المباشرة
يمثل تدفق الإستثمار الأجنبي المباشر أهم عنصر من عناصر التمويل الخارجي للتنمية في الدول النامية. وإذا نظرنا إلى حصة الدول العربية من الإستثمار الأجنبي المباشر كنسبة من التدفق العالمي نجد أن حصة الدول العربية إنخفضت من 4,4 في المائة إلى 9,3 في المائة. كذلك إنخفضت حصة الدول العربية كنسبة من إجمالي التدفقات الداخلة للدول النامية من 15 في المائة عام 2006م لتصبح 5,14 في المائة بنهاية 2007م.
ومما لا شك فيه أن سكان الأراضي الفسطينية يعانون من تدني مستويات الدخل وإنقطاع سبل الحياة وكسب العيش بالداخل، لذلك لا مناص من العمل على جذب الإستثمارات الأجنية المباشرة خاصة تلك التي تبحث عن إعتبارات الكفاءة التي تتوفر في الإقتصاد الفلسطيني، من خلال المهارات والكوادر البشرية العالية التي يدعمها إرتفاع في مستوى التعليم والتدريب والطموحات لدى مختلف الفئات العاملة في فلسطين، حيث بلغ نصيب الضفة الغربية وقطاع غزة من FDI عام 2004م حوالي 49 مليون دولار، وفي عام 2005م 47 مليون دولار و38 و21 مليون دولار للأعوام 2006م و2007م على التوالي.
3- إتباع منهج التخطيط التأشيري كأداة للتنمية
في ظل التخطيط التأشيري فإن نشاط القطاع الخاص لا يحاط بالقيود أو الجمود، كما لايتم التوجيه بشكل مباشر بإتجاه تحقيق الأهداف والأولويات الوادرة بالخطة، وإنما يظل من المتوقع أن يساهم القطاع الخاص في تنفيذ الأهداف وإنجاح الخطة، وذلك عن طريق قيام الدولة بتقديم كل أنواع التسهيلات لتحفيز القطاع الخاص، وليس بغرض التوجيه أو الإلزام والعمل على جذبه لمجالات العمل التي تساهم أكثر في تنفيذ الخطة.
وينظر للتخطيط التأشيري كمنهج وسط بين أساليب حل المشكلة الإقتصادية له خصوصية وأسلوب متكامل، يتضمن عملية مزج دقيقة بين المنهج الشمولي الذي تسيطر فيه الدولة على موارد المجتمع، وبين تخطيط إصلاحي تقوم فيه الدولة بدور محدود في النشاط الإقتصادي يعالج الإختلالات والمتاعب بعد وقوعها دون أن تتدخل بشكل مباشر في آلية السوق والحرية الفردية.
وتعتبر تجربة التخطيط الفرنسية أقرب الصور لهذا المفهوم حيث إعتمدت على منهج التخطيط التأشيري Indicative بشكل أساسي. وركزت على التأثير في أنشطة القطاع الخاص من خلال الإقناع Persuasion، في حين نظمت قضايا أخرى مثل الإستهلاك عن طريق السياسات المالية والنقدية.
4- المساعدات الخارجية
تتلقى السلطة الفلسطينية من الدول الغربية والعربية المساعدات الخارجية تضامناً مع الشعب الفلسطيني وفي مواجهة ظروف الإحتلال والحصار التي تعيشها الأراضي الفلسطينية. وقد بلغ إجمالي التعهدات منذ العام 1994م وحتى نهاية العام 2004م حوالي 9000 مليون دولار، هذا إضافة إلى التعهدات التي حصلت عليها السلطة الوطنية الفلسطينية في مؤتمر لندن الذي عقد في شهر آذار من عام 2005م، بقيمة زادت على 1300 مليون دولار. كما تعهد المؤتمر الدولي للجهات المانحة في باريس من العام 2007م بدفع 4,7 مليار دولار لدعم الإقتصاد الفلسطيني خلال الاعوام الثلاثة المقبلة 2008م-2010م.
وتشير بيانات وزارتي التخطيط والمالية في السلطة الفلسطينية، إلى أن إجمالي المساعدات التي إلتزمت الجهات المانحة بتقديمها خلال الفترة (1994-2004م) بلغت حوالي 7500 مليون دولار بمعدل سنوي تجاوزي 670 مليون دولار. وتشكل تلك الإلتزامات حوالي 91 في المائة من إجمالي التعهدات في الفترة السابقة. وقد قامت تلك الجهات فعلياً بتقديم مساعدات بلغت قيمتها حوالي 7000 مليون دولار وذلك حتى نهاية العام 2004م، بمعدل سنوي بلغ حوالي 630 مليون دولار، أو ما نسبته 95 في المائة من إجمالي الإلتزامات (89 في المائة من إجمالي التعهدات). ولعل من أهم الأسباب التي ساهمت في وجود هذه الفروق بين ما إلتزم به، وما تم صرفه فعلاً، إرتباط المساعدات الخارجية بتطورات عملية التسوية السياسية، وتحوله عن هدفه الرئيسي الإستثمار في السلام، إلى تمويل عملية التسوية ومنع إنهيارها.
بالرغم من الحجم الكبير نسبياً للمساعدات الخارجية للشعب الفلسطيني، إلا إنه يمكن الإستنتاج بأن ضعف التنسيق بين مؤسسات السلطة المعنية نفسها، ومع منظمات المجتمع المدني في تخطيط وإدارة وتنفيذ البرامج والمشاريع المشمولة والمتعلقة بهذه المساعدات قد حد من الإستفادة بالقدر الكافي من هذه المساعدات، فغلبت على إدارة مؤسسات السلطة لهذه المساعدات سمات التداخل واللامنهجية في تحديد أولويات الإنفاق وشروطه، بعيداً عن رؤية أو خطة تنموية شاملة ومتكاملة.
لذا من الضروري قيام مؤسسات السلطة الفلسطينية ومن خلال الخطط الموضوعة لإستيعاب المساعدات الدولية بتعميم برامج ومشاريع العمل التي تربط بين الإغاثة والتنمية. وقد يكون من المفيد في هذا السياق التركيز على مشاريع البنية التحتية والإستثمار في التعليم كونهما أساساً للتنمية الفلسطينية طويلة الأمد. ويمكن أيضاً توجيه إهتمام هذه المشاريع للإستثمار في الصناعات الزراعية والحرفية التي تخدم الأسواق المحلية، والتي لها أكبر الأثر في خلق فرص العمل في الظروف السياسية الراهنة.
ثالثاً: أهداف إستراتيجية التنمية الإقتصادية الفلسطينية
إزاء الوضعية الحالية التي تتكرس من خلالها إرتباط الإقتصاد الفلسطيني بالإقتصاد الإسرائيلي، يصبح تخلص الإقتصاد الفلسطيني من روابطه مع الإقتصاد الإسرائيلي أمراً ملحاً، لا سيما في ظل الإستخدام الإسرائيلي المتكرر لهذه الروابط للضغط على الإقتصاد الفلسطيني.
1- تعزيز القدرة الذاتية للإقتصاد الفلسطيني
يشكل بناء القدرة الذاتية للمجتمع والإقتصاد الفلسطيني، وخصوصاً تطوير رأس المال البشري، الرد المباشر على عملية التهميش الإقتصادي والإجتماعي والثقافي الذي يمارسه الإحتلال ضد الشعب الفلسطيني. لذا سوف تؤدي زيادة الإستثمار في رأس المال البشري إلى التخلص التدريجي من التشوهات التي أحدثها الإحتلال في سوق العمل، وإلى تهيئة الإقتصاد الفلسطيني للإندماج في الإقتصاديات العالمية من خلال تحسين الإنتاجية، وزيادة القدرة للتنافسية للمنتجات الفلسطينية. وسوف يتيح ذلك إمكانية إستيعاب أعداد كبيرة من الأيدي العاملة الفلسطينية داخل الإقتصاد الفلسطيني، وبالذات داخل القطاع الخاص، ما يقلل من تبعية الإقتصاد الفلسطيني للإقتصاد الإسرائيلي.

2- تقليص التبعية للإقتصاد الإسرائيلي
كان الإحتلال الإسرائيلي ومازال العامل الأكثر تأثيراً في تشكيل بنية وطبيعة الإقتصاد الفلسطيني، وبالتالي في صياغة مؤشرات التنمية البشرية. فقد إستهدفت السياسة الإسرائيلية تعطيل حركة الإقتصاد الفلسطيني، ووضع العراقيل أمام مختلف الأنشطة الإقتصادية، لمنع قيام أية محاولة لإحداث تنمية حقيقية في الأراضي الفلسطينية. في النهاية أصبح الفلسطينيون يعتمدون بنسبة 90 في المائة على إسرائيل في توفير وسائل العيش المختلفة. في حين أن التعاون مع العالم الخارجي والذي كان يشكل نسبة ضئيلة جداً لا تزيد عن 15 في المائة في عام 2005م، كان يتم من خلال وبموافقة سلطات الإحتلال. وأصبح السوق الفلسطيني يمثل أكبر سوق للصادرات الإسرائيلية بحيث يستوعب ما نسبته 15 في المائة منها في نفس العام.
3- تحسين مؤشرات التنمية البشرية
تنصب مؤشرات التنمية البشرية أساساً على ثلاثة محاور رئيسية، الأول يتعلق بمستوى المعيشة ومتوسط دخل الفرد، وهو مايرتبط بالنشاط الإقتصادي ومعدلات الإستثمار وتطور الإنتاجية بقطاعات النشاط الإقتصادي بصفة عامة. أما البعد الثاني، فيتمثل في الحالة التعليمية والمعارف وهو بعد هام في التنمية البشرية في الإقتصاد الفلسطيني، لما يتمتع به من مستويات عالية من التعليم وإكتساب المعارف بالداخل والخارج. أما البعد الثالث، فيتعلق بالحالة الصحية وهو بعد يحد كثيراً من إنجازات التنمية البشرية بجانب البعد الأول، حيث تعاني كافة مناطق فلسطين من تدهور الأوضاع الصحية.
رابعاً: سبل تطوير التنمية الإقتصادية الفلسطينية
تتطلب التنمية الإقتصادية في اي بلد آليات تنفيذ تبدأ بوضع الأهداف لحصر الموارد في ضوء تقييم الوضع الراهن، ثم تحديد متطلبات تحقيق الأهداف ورسم السياسات والإجراءات والآليات اللازمة لتنفيذها. وهذا يحتاج إلى جهد منظم من جميع شركاء التنمية الفلسطينية، الدولة والقطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني، في إطار مؤسسي وقانوني، يتحقق بإستخدام الوسائل والسياسات الإقتصادية المختلفة.


1- دور الدولة في عملية التنمية الإقتصادية
تستطيع الدولة بسلطاتها الثلاث، بحكم الصلاحيات الإدارية والتشريعية والقضائية المخولة لها، والقدرة الإقتصادية الكبيرة المتاحة لها من خلال الموازنة العامة وغيرها التأثير على سلوك وحدات المجتمع من الشركات أو الأفراد أو المؤسسات، من خلال سياساتها المختلفة، ومن تلك السياسات الإقتصادية: السياسة التجارية، السياسة المالية، السياسة الزراعية، السياسة السياحية، وغيرها. ولابد من إستخدام الأدوات بصورة منسقة لضمان تحقيق الأهداف التنموية، لأن عدم التناسق في إستخدام تلك الأدوات، سيقود إلى التضارب والتناقض في إتجاهات تأثيرها. ومن أجل ضمان الإستخدام المنسق للسياسات تقوم الدول بوضع إستراتيجيات تنموية محددة لضمان الوصول للأهداف المرجوه.
2- تشجيع وتوجيه مبادرات القطاع الخاص
يشكل القطاع الخاص في الأراضي الفلسطينية بشكل عام محركا أساسياً في عملية التنمية والتطور الإقتصادي، حيث يملك قدرة عالية على إستغلال فرص النمو وجذب الإستثمارات العالمية. وقد حافظ على مستوى مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي ليصل في عام 2005م إلى ما قيمته 3 مليون دولار، ما يمثل حوالي 70 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وكذلك أن يؤمن 454 ألف فرصة عمل جديدة، أي مايمثل 73 في المائة من القوى العاملة الفلسطينية. جدير بالذكر أن القدرة الإنتاجية للقطاع الخاص إنخفضت في قطاع غزة من نسبة 76 في المائة قبل بداية إنتفاضة الأقصى إلى نسبة 1,31 في المائة خلال الربع الأول من عام 2001م، واستعادت بعضاً من طاقتها لتصل في الفترة الممتدة ما بين كانون الثاني 2006م ويونيو 2007م إلى معدل 46 في المائة.
على الرغم من التحديات التي يواجهها القطاع الخاص الفلسطيني، فإن هناك العديد من النقاط المضيئة التي يجب إستغلالها بكفاءة وتحويلها إلى فرص. إن معظم الدراسات تظهر أن مستقبل الإقتصاد الفلسطيني يعتمد إلى حد كبير على مدى قدرة شركات القطاع الخاص الفلسطيني على تعديل أوضاعها، في جميع المجالات التقنية والمعلوماتية، وتفعيل القدرات البشرية المتوفرة، وإستغلال الموقع الجغرافي، والمكانة الدينية والتاريخية، وربط الإقتصاد الفلسطيني بمحيطه العربي والإقليمي.

3- دور المنظمات الأهلية الفلسطينية في عملية التنمية الإقتصادية
تمتاز منظمات المجتمع المدني الفلسطيني بقربها من المستفيدين من الخدمات الحكومية، وبالتالي فإنها أقدر على رصد أهم الإحتياجات وتحديد الخدمات، والأكثر إلحاحاً مثل المدارس والمستشفيات ومراكز التأهيل والمساعدات الإجتماعية .. إلخ. كما أنها قادرة على تقييم هذه الخدمات ومدى رضا الناس عنها. ويشير الوضع الحالي للمنظمات الأهلية إلى وجود العديد من التحديات أمامها كي تعمل بفعالية، وتقوم بدورها في بناء المجتمع المدني الفلسطيني، وبالتالي فإن عليها أن تعمل على تطوير بنيتها المؤسساتية، وتمتلك قدرات وإمكانيات بشرية وتنظيمية كي تتلاءم مع حجم الدور المناط بها.
وبناءً على ذلك أشارت دراسة قام بها مركز بيسان للبحوث والإنماء بعنوان إحتياجات وأولويات الفقراء عام 2000م إلى أن 135 مؤسسة أهلية فلسطينية (2,65 في المائة) من حوالي 207 مؤسسات أهلية شملتها العينة، لا تزال تقدم خدمات مختلفة للمجتمع الفلسطيني وفي قطاعات تنموية مختلفة. إن ذلك يدل على أهمية إستمرار تقديم الخدمات من قبل المنظمات الأهلية.
خاتمة
يشكل إستمرار وضع الإقتصاد الفلسطيني رهينة للإحتلال الإسرائيلي عقبة أمام تطوره والنهوض به. فما زالت إسرائيل تفرض هيمنتها وسيطرتها على مقدرات الإقتصاد الفلسطيني، فهي تسيطر على المنافذ والمعابر، وتقيم الحواجز أمام حركة الأفراد والتجارة الداخلية والخارجية، وتدمر البنية التحتية، وتستولي على الأراضي، وتحتجز أموال السلطة لديها وتفرض القيود على البنوك العاملة في الأراضي الفلسطينية. وعليه فإن عملية تطوير الإقتصاد الفلسطيني تحتاج إلى جهود منظمة مدعومة من الخارج.
فيما يخص التجربة التنموية الفلسطينية فإن موضوع التنمية كان دائماً موضع إهتمام، ولكن النقاش لغاية الآن لم يستكمل بالإعلان عن رؤية تنموية متفق عليها من قبل جميع شركاء التنمية في الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني، نظراً لظروف الإحتلال الأمر الذي أدى إلى عدم وجود توجه تنموي شامل. ولسد هذا النقص لابد من تصدى شركاء التنمية الفلسطينية الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني لهذه المهمة ببلورة رؤية تنموية تحظى بإجماعهم، وليصار إلى إعتمادها رسمياً من قبل السلطة الوطنية الفلسطينية في حشد وتوحيد الجهود التنموية لبناء قاعدة إقتصادية إجتماعية متينة، وخلق مقومات إقتصاد عصري ومنافس قادر على مواجهة تحديات الإنفتاح والإندماج في السوق الإقليمية والعالمية.
إن خصوصية الحالة الفلسطينية تستدعي إستراتيجية تنموية خاصة بها، بحيث يكون أبرز معالمها التركيز على بعض المرافق الإقتصادية ضمن القطاعات المختلفة، مما يعنى إزالة التشوهات المتراكمة خلال فترة الإحتلال الإسرائيلي، والعمل على تنمية وتطوير المرافق والقطاعات. من جهة أخرى فالإقتصاد الفلسطيني بحاجة إلى تنمية تلبي الحاجات الأساسية وتعتمد على الذات، وتتصف بالتوازن والإستقرار والتواصل. أي المقصود إعداد رؤية تنموية لإقتصاد فلسطيني قادر على مواجهة تحديات التنمية وتطوير القدرة الذاتية في مواجهة خطط التهميش الإسرائيلية، ولمواجهة تحديات تحقيق التنمية المستدامة في دولة فلسطين بعد الإستقلال.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق