الخميس، 7 أبريل 2011

دور الدولة في عملية التنمية الاقتصادية

دور الدولة في عملية التنمية الاقتصادية

دور الدولة في عملية التنمية الاقتصاديةد. محمد فتحي شقورة
باحث تنموي
رغم أن اقتصاد السوق والحرية الاقتصادية أصبحتا أهم ما يميز الاقتصاديات العالمية الآن. إلا أن دور الدولة في مختلف دول العالم في الوقت الحالي أصبح مختلفاً تماماً عن الصورة التي سادت في بدايات الرأسمالية وحتى أزمة الكساد العظيم في الثلاثينات من القرن العشرين، حيث أن الدولة لم تعد حارسة للأفراد والقطاع الخاص وسن القوانين والتشريعات، بل أصبح لها تواجد كبير في النشاط الاقتصادي، حيث تبلغ نسبة الإنفاق العام إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى أكثر من 40 في المائة في بعض الدول.
أما في الدول النامية فلا تزال مسؤولية التنمية تقع على عاتق الحكومة ليس فقط من خلال توفير السلع العامة الأساسية، والمرافق العامة وتقديم الخدمات الاجتماعية كالتعليم والصحة والضمان الاجتماعي، وإنما من خلال دورها في تحفيز الأفراد والقطاع الخاص وضبط سلوكه، ووضع الأطر القانونية والتشريعية التي تنظم الأعمال.
تستطيع الدولة بسلطاتها الثلاث، بحكم الصلاحيات الإدارية والتشريعية والقضائية المخولة لها، والقدرة الاقتصادية الكبيرة المتاحة لها من خلال الموازنة العامة وغيرها التأثير على سلوك وحدات المجتمع من الشركات أو الأفراد أو المؤسسات، من خلال سياساتها المختلفة، ومن تلك السياسات الاقتصادية: السياسة التجارية، السياسة المالية، السياسة الزراعية، السياسة السياحية، وغيرها، ولابد من استخدام الأدوات بصورة منسقة لضمان تحقيق الأهداف التنموية، لأن عدم التناسق في استخدام تلك الأدوات، سيقود إلى التضارب والتناقض في اتجاهات تأثيرها، ومن أجل ضمان الاستخدام المنسق للسياسات تقوم الدول بوضع إستراتيجيات تنموية محددة لضمان الوصول للأهداف المرجوة.
من المهم جداً ألا تكتفي الدولة بتحقيق التنسيق بين مؤسساتها وسياساتها المختلفة، بل يفترض منها أن تقوم بإشراك جميع الشركاء ذوي العلاقة من المجتمع المدني والقطاع الخاص في عملية صياغة السياسات، وفي عملية تنسيقها أو في وضع الخطط والبرامج والآليات لتنفيذها. وهنا يتجلى قدرة الدولة وكفاءتها في تعبئة وتوحيد موارد وعناصر التنمية لتحقيق الأولويات المقبولة بين جميع شركاء التنمية في مختلف القطاعات في الاتجاه الذي يقود الاقتصاد نحو تحقيق الرؤية التنموية المتفق عليها.
إذا ما جرى الوصول إلى رؤية تحظى بقبول شركاء التنمية الفلسطينية الثلاث: الحكومة، القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني، وإذا كانت تلك الرؤية تتصف بالواقعية من حيث إمكانية بلوغها، فإنها لن تتحقق من تلقاء ذاتها، بل أن تحقيقها يحتاج إلى فعل واعٍ. ومن المعروف أن الفعل المطلوب للتأثير على سلوك المتغيرات في البنية الاقتصادية للوصول إلى الحالة المستهدفة يجب أن يتم في إطار مؤسسي وقانوني، ويستحسن أن يتحقق باستخدام الوسائل الاقتصادية، إذ أن المطلوب من الدولة أو السلطة الشرعية لعب دور الجهة المنظمة والمحددة والموجهة للفعاليات والمصادر الاقتصادية على هذه الرؤية التنموية.
واستناداً إلى ما سبق يمكن إجمال أهم المسؤوليات التي يجب على أي حكومة فلسطينية القيام فيها، حتى يمكنها لعب دور نشط وبكفاءة عالية على النحو الآتي:
أ- توجيه النشاط الاقتصادي بشكل يعمل على تعزيز الصمود الفلسطيني، من خلال تعزيز القدرة الذاتية ورفع تكاليف استمرار الاحتلال وتقليص كلفة مقاومته.
ب- توجيه النشاط الاقتصادي نحو نمط استهلاكي تقشفي، والامتناع عن استيراد الكماليات، وتحفيز الادخار والاستثمار في الاقتصاد المحلي وبخاصة الإنتاج المحلي، بما يعزز القدرة الإنتاجية والاستيعابية التشغيلية الفلسطينية.
ج- توجيه النشاط الاقتصادي نحو إنتاج كميات كافية من السلع الغذائية الضرورية، ضمن إطار قانوني يمنع الاحتكار ويكافح الغلاء، ويكفل المنافسة العادلة وتكافؤ الفرص، ويعمل على التوزيع العادل للأعباء، وبخاصة للسلع الضرورية والمواصلات، لمنع ارتفاع تكاليف المعيشة الأساسية، ويوفر سبل العيش للقطاعات الاجتماعية الأقل حظاً.
د- توفير الأمن الشامل الذي يحمي حق الحياة ويبعد عنها الخوف ويوفر الأمن والحماية للممتلكات. إذ أن استقطاب الاستثمارات المحلية والأجنبية لا يمكن أن يتم في بيئة يسودها الانفلات الأمني. وأيضاً ضمان الاحترام لحقوق الإنسان والحريات العامة.
ه- العمل على وجود نظام تعليم قوي يساعد في بناء القدرات المهنية الفنية والإبداعية لدى القوى العاملة الفلسطينية، ويجب أن يأخذ نظام التعليم هذا احتياجات القطاع الخاص من التعليم المهني والتدريب. كما أن الاهتمام بتطوير الخدمات الصحية والطب الوقائي في غاية الأهمية لرفع إنتاجية العمال الفلسطينيين، وزيادة أيام العمل.
و- تعزيز اندماج القدس الشرقية مع باقي الأراضي الفلسطينية في عملية التنمية، لما تشكله من أهمية كبيرة في مختلف قطاعات الاقتصاد الفلسطيني، حيث تشكل الثروة السياحية فيها مصدراً رئيسياً للاقتصاد الفلسطيني بعد كنس الاحتلال منها. كما تشكل عقدة المواصلات الموحدة للضفة الغربية، هذا بالإضافة إلى كونها مركزاً للخدمات التعليمية والصحية وللمؤسسات الأهلية.
ز- وجود نظام نقل واتصالات يضمن تدفق السلع والخدمات والمعلومات وبأقل التكاليف بين الأسواق الفلسطينية بعضها بعضاً، والأسواق الفلسطينية والأسواق الخارجية. ويحتاج ذلك إلى إعادة بناء الموانئ الجوية والبحرية التي قام الاحتلال بتدميرها.
ح- العمل على زيادة قدرات البنوك المحلية على الإسهام الفاعل في تمويل الاستثمارات المحلية، وتطوير الخدمات المالية لتصبح أكثر تلبية لاحتياجات القطاع الخاص، بما في ذلك توفير قروض استثمارية متوسطة وطويلة الأجل.
ط- إيجاد آليات لتطوير استفادة القطاع الخاص من الاتفاقيات التجارية التي وقعتها السلطة الوطنية مع كثير من الدول العربية والإسلامية (الأردن، مصر، المغرب، وتونس، والإمارات، وتركيا)، واتفاقيات التفضيل التجاري مع الإتحاد الأوروبي. إذ لا تزال استفادة القطاع الخاص الفلسطيني من هذه الاتفاقيات دون المستوى المطلوب بكثير.
ي- استقطاب استثمارات الفلسطينيين في الخارج. حيث تبلغ تحويلات الفلسطينيين في الخارج إلى أقاربهم في فلسطين حوالي مليار دولار سنوياً ، وهذا مؤشر قوى على قدرة فلسطيني الخارج في مسيرة التنمية الفلسطينية، من خلال توفير رأس المال لعملية التنمية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق